فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإسرائيليات في قصة يوسف عليه السلام:

قال الدكتور محمد أبو شهبة:
وقد وردت في قصة يوسف عليه السلام إسرائيليات ومرويات مختلفة مكذوبة، فمن ذلك، ما أخرجه ابن جرير في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور وغيرهما في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: الآية 4].
قال السيوطي: وأخرج سعيد بن منصور، والبزار، وأبو يعلي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والعقيلي في الضعفاء، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي معا في الدلائل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء بستاني اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف عليه السلام ساجدة له، ما أسماؤها؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه بشيء. فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بأسمائها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البستاني اليهودي فقال: «هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها» قال: نعم: قال: «حرثان، والطارق والذيال وذو الكفتان، وقابس، ودنان، وهودان، والفيلق، والمصبح، والضروح، والفريخ، والضياء، والنور، رآها في آفق السماء ساجدة له فلما قص يوسف على يعقوب قال: هذا أمر مشتت يجمعه الله من بعد» فقال اليهودي: إي والله إنها لأسماؤها.
والذي يظهر لي أنه من الإسرائيليات وألصقت بالنبي زورًا، ثم إن سيدنا يوسف رأي كواكب بصورها لا بأسمائها، ثم ما دخل الاسم فيما ترمز إليه الرؤيا؟!! ومدار هذه الرواية على الحكم بن ظهير، وقد ضعفه الأئمة، وتركه الأكثرون، وقال الجوزجاني: ساقط، وهو صاحب حديث حسن يوسف.
وقال الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال: قال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرة: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث وقال مرة: تركوه، وهو راوي حديث: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»!! فهل مثل هذا تعتبر روايته في مثل هذا، وبحسبه سقوطا مقالة البخاري فيه: منكر الحديث و: تركوه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
تقدير الآية: اذكر: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ} قال صاحب الكشاف: الصحيح أنه اسم عبراني، لأنه لو كان عربيًا لانصرف لخلوه عن سبب آخر سوى التعريف، وقرأ بعضهم: {يُوسُفَ} بكسر السين: {وَيُوسُفَ} بفتحها.
وأيضًا روى في يونس هذه اللغات الثلاث، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قيل من الكريم فقولوا الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام».
المسألة الثانية:
قرأ ابن عامر: {يا أبت} بفتح التاء في جميع القرآن، والباقون بكسر التاء.
أما الفتح فوجهه أنه كان في الأصل يا أبتاه على سبيل الندبة، فحذفت الألف والهاء.
وأما الكسر فأصله يا أبي، فحذفت الياء واكتفى بالكسرة عنها ثم أدخل هاء الوقف فقال: {يا أبت} ثم كثر استعماله حتى صار كأنه من نفس الكلمة فأدخلوا عليه الإضافة، وهذا قول ثعلب وابن الأنباري.
واعلم أن النحويين طولوا في هذه المسألة، ومن أراد كلامهم فليطالع كتبهم.
المسألة الثالثة:
أن يوسف عليه السلام رأى في المنام أن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر سجدت له، وكان له أحد عشر نفرًا من الأخوة، ففسر الكواكب بالأخوة، والشمس والقمر بالأب والأم، والسجود بتواضعهم له ودخولهم تحت أمره، وإنما حملنا قوله: {لأبِيهِ يا أبت إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} على الرؤيا لوجهين:
الأول: أن الكواكب لا تسجد في الحقيقة، فوجب حمل هذا الكلام على الرؤيا.
والثاني: قول يعقوب عليه السلام: {لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ على إِخْوَتِكَ} [يوسف: 5] وفي الآية سؤالات:
السؤال الأول: قوله: {رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} فقوله: {ساجدين} لا يليق إلا بالعقلاء، والكواكب جمادات، فكيف جازت اللفظة المخصوصة بالعقلاء في حق الجمادات.
قلنا: إن جماعة من الفلاسفة الذين يزعمون أن الكواكب أحياء ناطقة احتجوا بهذه الآية، وكذلك احتجوا بقوله تعالى: {وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] والجمع بالواو والنون مختص بالعقلاء.
وقال الواحدي: إنه تعالى لما وصفها بالسجود صارت كأنها تعقل، فأخبر عنها كما يخبر عمن يعقل كما قال في صفة الأصنام: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [الأعراف: 198] وكما في قوله: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} [النمل: 18].
السؤال الثاني: قال: {إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشمس والقمر} ثم أعاد لفظ الرؤيا مرة ثانية، وقال: {رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} فما الفائدة في هذا التكرير؟
الجواب: قال القفال رحمه الله: ذكر الرؤية الأولى لتدل على أنه شاهد الكواكب والشمس والقمر، والثانية لتدل على مشاهدة كونها ساجدة له، وقال بعضهم: إنه لما قال: {إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشمس والقمر} فكأنه قيل له: كيف رأيت؟ فقال: رأيتهم لي ساجدين، وقال آخرون: يجوز أن يكون أحدهما من الرؤية والآخر من الرؤية، وهذا القائل لم يبين أن أيهما يحمل على الرؤيا وأيهما الرؤيا فذكر قولًا مجملًا غير مبين.
السؤال الثالث: لم أخر الشمس والقمر؟
قلنا: أخرهما لفضلهما على الكواكب، لأن التخصيص بالذكر يدل على مزيد الشرف كما في قوله: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال} [البقرة: 98].
السؤال الرابع: المراد بالسجود نفس السجود أو التواضع كما في قوله:
ترى الأكم فيه سجدًا للحوافر.. قلنا: كلاهما محتمل، والأصل في الكلام حمله على حقيقته ولا مانع أن يرى في المنام أن الشمس والقمر والكواكب سجدت له.
السؤال الخامس: متى رأى يوسف عليه السلام هذه الرؤيا؟
قلنا: لا شك أنه رآها حال الصغر، فأما ذلك الزمان بعينه فلا يعلم إلا بالأخبار.
قال وهب: رأى يوسف عليه السلام وهو ابن سبع سنين أن إحدى عشرة عصًا طوالًا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة وإذا عصا صغيرة وثبت عليها حتى ابتلعتها فذكر ذلك لأبيه فقال إياك أن تذكر هذا لأخوتك ثم رأى وهو ابن ثنتي عشرة سنة الشمس والقمر والكواكب تسجد له فقصها على أبيه فقال لا تذكرها لهم فيكيدوا لك كيدًا.
وقيل: كان بين رؤيا يوسف ومصير أخوته إليه أربعون سنة وقيل: ثمانون سنة.
واعلم أن الحكماء يقولون إن الرؤيا الرديئة يظهر تعبيرها عن قريب، والرؤيا الجيدة إنما يظهر تعبيرها بعد حين.
قالوا: والسبب في ذلك أن رحمة الله تقتضي أن لا يحصل الإعلام بوصول الشر إلا عند قرب وصوله حتى يكون الحزن والغم أقل، وأما الإعلام بالخير فإنه يحصل متقدمًا على ظهوره بزمان طويل حتى تكون البهجة الحاصلة بسبب توقع حصول ذلك الخير أكثر وأتم.
السؤال السادس: قال بعضهم: المراد من الشمس والقمر أبوه وخالته فما السبب فيه؟
قلنا: إنما قالوا ذلك من حيث ورد في الخبر أن والدته توفيت وما دخلت عليه حال ما كان بمصر قالوا: ولو كان المراد من الشمس والقمر أباه وأمه لما ماتت لأن رؤيا الأنبياء عليهم السلام لابد وأن تكون وحيًا وهذه الحجة غير قوية لأن يوسف عليه السلام ما كان في ذلك الوقت من الأنبياء.
السؤال السابع: وما تلك الكواكب؟
قلنا: روى صاحب الكشاف أن يهوديًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أخبرني عن النجوم التي رآهن يوسف فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل عليه السلام وأخبره بذلك فقال عليه الصلاة والسلام لليهودي: «إن أخبرتك هل تسلم» قال نعم قال: «جربان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين رآها يوسف والشمس والقمر نزلت من السماء وسجدت له» فقال اليهودي: أي والله إنها لأسماؤها. واعلم أن كثيرًا من هذه الأسماء غير مذكور في الكتب المصنفة في صورة الكواكب والله أعلم بحقيقة الحال. {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ حفص: {أَوْ بَنِى} بفتح الياء والباقون بالكسر.
المسألة الثانية:
أن يعقوب عليه السلام كان شديد الحب ليوسف وأخيه فحسده إخوته لهذا السبب وظهر ذلك المعنى ليعقوب عليه السلام بالأمارات الكثيرة فلما ذكر يوسف عليه السلام هذه الرؤيا وكان تأويلها أن إخوته وأبويه يخضعون له فقال لا تخبرهم برؤياك فإنهم يعرفون تأويلها فيكيدوا لك كيدًا.
المسألة الثالثة:
قال الواحدي: الرؤيا مصدر كالبشرى والسقيا والشورى إلا أنه لما صار اسمًا لهذا المتخيل في المنام جرى مجرى الأسماء.
قال صاحب الكشاف: الرؤيا بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقطة فلا جرم فرق بينهما بحرفي التأنيث، كما قيل: القربة والقربى وقرئ: {روياك} بقلب الهمزة واوًا وسمع الكسائي يقرأ رياك ورياك بالإدغام وضم الراء وكسرها وهي ضعيفة.
ثم قال تعالى: {فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا} وهو منصوب بإضمار أن والمعنى إن قصصتها عليهم كادوك.
فإن قيل: فلم لم يقل فيكيدوك كما قال: {فَكِيدُونِى} [هود: 55].
قلنا: هذه اللام تأكيد للصلة كقوله: {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}، وكقولك نصحتك ونصحت لك وشكرتك وشكرت لك، وقيل هي من صلة الكيد على معنى فيكيدوا كيدًا لك.
قال أهل التحقيق: وهذا يدل على أنه قد كان لهم علم بتعبير الرؤيا وإلا لم يعلموا من هذه الرؤيا ما يوجب حقدًا وغضبًا.